الإمبريالية الرسمية وغير الرسمية
يطرح (جوليان گو)، في مقالته Global Fields and Imperial Forms: Field Theory and the British and American Empires, المنشورة في عدد سبتمبر 2008 من مجلة Sociological Theory، السؤال التالي: لماذا اعتمدت الإمبراطورية البريطانية في الغالب على « الإمبريالية الرسمية »، أي الاستعمار والحكم المباشر العلني للمناطق الخاضعة لسيطرتها، بينما اعتمدت الإمبراطورية الأمريكية في الغالب على « الإمبريالية غير الرسمية »، أي السيطرة المقنّعة على بلاد مستقلة اسمياً؟
يشير المؤلف إلى أن كلاً من الدولتين استخدمت كلا النوعين من الإمبريالية، بالرغم من ميلها إلى أحد النوعين. ويستعرض النظريات السائدة في علم العلاقات الدولية فيثبت أنها عاجزة جميعاً عن تفسير هذه الأحداث. ثم يقدم نظرية (بيير بورديو) الاجتماعية وخاصة مفهوم « المجال »، الذي يدل على ساحة صراع على نوع معين من رأس المال، مثل رأس المال الاقتصادي أو رأس المال الرمزي (أي المكانة أو السمعة). ويذكر أن استراتيجيات كل منافس في مجال ما تعتمد على الوضع الحالي لعلاقات القوى في المجال، وأن هذه العلاقات تنتج عن الصراعات السابقة. ثم يؤكد أنه يجوز أن نعتبر العلاقات الدولية مجالاً عالمياً، وأن هذا يمكّننا من تفسير الأحداث المذكورة. ولب هذا التفسير أن بريطانيا، عندما أصبحت قوة عالمية في القرن التاسع عشر، لم تستطع أن تفرض سيطرتها إلا على مناطق خالية من البنى الاقتصادية والأمنية اللازمة للاستغلال الاستعماري، وأن احتلال هذه المناطق كان السبيل الوحيد إلى إنشاء هذه البنى. أما أمريكا فسنحت لها، بعد الحرب العالمية الثانية، أن تعتمد على بنى الاستعمار الأوروبي، فمالت إلى الاكتفاء بالدعم المالي للبلاد الأوروبية مقابل الاستفادة من مستعمراتها.
ولكن عندما انهارت الإمبراطوريات الأوروبية، لماذا اختارت أمريكا السيطرة غير الرسمية على المستعمرات السابقة، بدلاً من استعمارها علناً؟ يعزو المؤلف ذلك إلى انتشار القومية المعادية للاستعمار في المجال العالمي، فهي مكنت القوى الكبرى، وخصوصاً الاتحاد السوفيتي، من اكتساب رأس مال رمزي من خلال الاعتراض على الاستعمار. ويمكن تحويل رأس المال الرمزي إلى رأس مال سياسي. فتجنبت أمريكا استخدام الإمبريالية الرسمية أثناء الحرب الباردة، خوفاً من أن تزيد من مكانة الاتحاد السوفيتي. ويشير المؤلف إلى أن الصين تنتهج المنهج غير الرسمي الآن.